ستجد فى هذا المقال
من هو محمد الضيف الذى جنن اسرائيل على مدار اعوام
محمد الضيف: القائد “الشبح” الذي حيّر إسرائيل لعقود.. رحلة الاختفاء والاغتيال
أسطورة المقاومة الذي اختفى عن الأعين
ظلّ اسم محمد الضيف، القائد العام لكتائب عز الدين القسام (الجناح العسكري لحركة حماس)، لسنواتٍ طويلة شوكةً في خاصرة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية. رجلٌ اختار حياة الظلّ، فلم تُوثّق له سوى صورٌ قليلة تعود لعقود مضت، ولم يُسمع صوته إلا في لحظات تاريخية حاسمة. بعد نحو ستة أشهر من إعلان إسرائيل اغتياله في غارة على خان يونس بقطاع غزة (13 يوليو/تموز 2024)، نعته كتائب القسام رسميًا، مُسدلة الستار على رحلة ملاحقة استمرت ثلاثة عقود.
اغتيال “القائد الشبح”: نهاية ملحمة ملاحقة
في بيان نُشر الخميس 18 يناير/كانون الثاني 2024، أعلنت كتائب القسام وفاة الضيف متأثرًا بإصابته في الغارة الإسرائيلية التي استهدفت مخبأً جنوب قطاع غزة، ليُطوى بذلك ملف أحد أبرز المطلوبين لإسرائيل منذ تسعينيات القرن الماضي. ورغم مرور ستة أشهر على الحادث، فإن تأخير النعي يُعتقد أنه جزء من إستراتيجية أمنية لحماس لتجنب كشف تفاصيل قد تعرّض قيادات أخرى للخطر.
حياة في الظل: هُوية مُلغَّمة بالغموض
- اسمٌ بلا وجه: لم تُنشر للضيف سوى صورٌ نادرة، منها صورة هويته الشخصية القديمة، وأخرى خلال اعتقاله في السجون الإسرائيلية عام 1989، حيث أمضى عامًا قبل الإفراج عنه في صفقة تبادل أسرى.
- التكنولوجيا.. عدوُّه الأول: عُرف عنه رفضه استخدام الهواتف أو الإنترنت، واعتماده على شبكة اتصالات بدائية محكمة، مما جعل تتبعه شبه مستحيل.
- ظهوراتٌ نادرة: لم يبرز في الأماكن العامة إلا خلال الحروب، مثل حرب 2014 و2021، وخصوصًا في أكتوبر/تشرين الأول 2023، حين أعلن عبر تسجيل صوتي بدء عملية “طوفان الأقصى”.
إستراتيجية “الشبح”: كيف تفادى الملاحقة 30 عامًا؟
- حسابات أمنية دقيقة: تحركاته كانت تُخطط بتفاصيل ميكانومترية، مع اعتماد مسارات متغيرة وأماكن إقامة مؤقتة.
- الاختفاء خلف القضية: رفض الظهور الإعلامي، واكتفى بتسجيلات صوتية مقتضبة، حتى أُطلق عليه “صانع القرار الخفي”.
- شبكة موالية عصية على الاختراق: اعتمد على دائرة ضيقة من المقربين، لم تُكشف هوياتهم إلا بعد سنوات.
من سجن إسرائيلي إلى قائد “القسام”: محطاتٌ مفصلية
- 1989: اعتقاله خلال الانتفاضة الأولى، وإطلاق سراحه لاحقًا.
- 1990-2000: صعوده التدريجي في صفوف حماس، مع توليه قيادة ملفات عسكرية حساسة.
- 2002: تعيينه قائدًا عامًا لكتائب القسام خلفًا لـصلاح شحادة، الذي اغتالته إسرائيل.
- 2014: ظهوره الصوتي الأول خلال حرب غزة، معلنًا: “إسرائيل لن تنعم بالأمن ما دام احتلالها مستمرًا”.
ما بعد الاغتيال: هل تموت الأسطورة؟
رغم إعلان إسرائيل تصفيته، فإن الغموض يكتنف تفاصيل العملية، حيث لم تُنشر صورٌ لجثمانه، وهو ما دفع محللين إلى التشكيك في الرواية الإسرائيلية. من جهتها، تعاملت حماس مع النعي بتكتم، ربما لعدم إعطاء إسرائيل “تفاصيل النصر” التي تسعى إليها.
لكن الأكيد أن رحيل الضيف يُغيّر خريطة القيادات العسكرية لحماس، ويُعيد طرح أسئلة عن جيل جديد من القادة قد يعتمد أساليب أكثر تعقيدًا، في ظل تحوّل الذكاء الاصطناعي والأسلحة الحديثة إلى أدوات صراع.
من رحم الغموض.. تُولد الرمزية
محمد الضيف لم يكن مجرد قائد عسكري، بل نموذجٌ لـ”المقاومة الذكية” التي تعيد تعريف الصراع بأدوات غير تقليدية. فبينما تحتفل إسرائيل باغتياله، يتحوّل هو إلى أيقونة تُذكّر بأن القضية الفلسطينية قادرة على إنتاج رموزٍ تختفي أجسادها، لكنها تظلّ حاضرة في الذاكرة النضالية. السؤال الآن: هل يُغري غياب “الشبح” إسرائيل بتصعيد جديد، أم أن الأسطورة ستُلهِم جيلًا آخر لكتابة فصلٍ جديد من المقاومة؟
النشأة: من مخيم خان يونس إلى قيادة “القسام”
وُلد محمد دياب إبراهيم المصري، المُلقب بـ**”أبو خالد”** و**”الضيف”، عام 1965 في مخيم خان يونس للاجئين بقطاع غزة، ينتمي إلى أسرة فلسطينية هُجّرت من قرية كوكبا (شمال شرق غزة) إثر نكبة 1948. عاش طفولةً قاسية في كنف أسرة فقيرة، اضطر للعمل منذ صغره في مهن متواضعة كـالغزل** والتنجيد، وامتلك لاحقًا مزرعة دواجن، وعمل سائقًا لتأمين لقمة العيش، حتى اضطر إلى الانقطاع عن الدراسة مرارًا لدعم أسرته.
المسيرة التعليمية والفنية: علم الأحياء.. والتمثيل
رغم التحديات، أنهى الضيف تعليمه الجامعي، وحصل على بكالوريوس علم الأحياء من الجامعة الإسلامية بغزة عام 1988. خلال دراسته، برز كناشط فني، وشكّل فرقة مسرحية، حيث عُرف بحبه للتمثيل، وهو ما يُمثل جانبًا مفاجئًا في شخصية القائد العسكري المحنك.
التحوّل إلى العمل العسكري: من “الكتلة الإسلامية” إلى تأسيس “القسام”
انخرط الضيف في النشاط الإسلامي مبكرًا، كعضو في الكتلة الإسلامية التابعة لحركة حماس، وجماعة الإخوان المسلمين، مع اندلاع الانتفاضة الأولى عام 1987. وبعد تخرجه، تولى مهامًا عسكرية سرية، وساهم في بناء الجناح المسلح لحماس بالضفة الغربية، حيث اكتسب لقب “الضيف” إما لتنقله الدائم بين المناطق، أو لوجوده المؤقت في الضفة.
السجن والمحاولات الفاشلة: 16 شهرًا خلف القضبان
في 1989، اعتقلته إسرائيل دون محاكمة بتهمة الانتماء للجهاز العسكري لحماس، الذي أسسه صلاح شحادة، وأمضى 16 شهرًا في السجون، قبل الإفراج عنه في صفقة تبادل أسرى. ومنذ ذلك الحين، أصبح اسمه على رأس قائمة المطلوبين لإسرائيل، التي حاولت اغتياله مرات عديدة، أبرزها:
- محاولة 2002: نجا بأعجوبة، لكنه فقد عينًا واحدة، وتشير مصادر إسرائيلية إلى إصابته بإعاقات دائمة (فقد قدم ويد، وصعوبات في النطق)، دون تأكيد فلسطيني.
- غارة يوليو 2024: التي أعلنت إسرائيل خلالها تصفيته، بعد ستة أشهر من تنفيذها.
إستراتيجية البقاء: لماذا فشلت إسرائيل في اغتياله لعقود؟
- الاختفاء التام: رفض استخدام التكنولوجيا، واعتمد شبكة اتصالات بدائية.
- حسابات أمنية دقيقة: تنقل بين مخابئ مؤقتة، مع تغيير خطط الحركة باستمرار.
- دائرة ضيقة موالية: اعتمد على مجموعة صغيرة من المقربين، لم تُكشف هوياتهم.
الأسرة: ثمن المقاومة
دفع الضيف ثمنًا شخصيًا باهظًا، حيث قتلت إسرائيل عددًا من أفراد عائلته في محاولات لتصفيته. ورغم ذلك، ظلّ مُتمسكًا بخط النضال، معتزًا بانتمائه لجذور لاجئة تُذكّر يوميًا بمعاناة النكبة.
الرمزية: أكثر من مجرد قائد
تحوّل الضيف إلى أيقونة مقاومة، تجسّد قدرة الفلسطيني على تحويل المعاناة إلى قوة. فبينما تصفه إسرائيل بـ”الإرهابي”، يراه الفلسطينيون رمزًا للصمود، خاصةً بعد إعلانه بدء عملية “طوفان الأقصى” في أكتوبر 2023 عبر تسجيل صوتي مختصر، دون ظهور مرئي.
ما بعد الرحيل: إرثٌ يتحدى الاغتيال
رغم الإعلان الإسرائيلي عن تصفيته، تظل تفاصيل وفاته غامضة، في ظل عدم نشر صور لجثمانه. لكن الأكيد أن إرثه العسكري والفكري سيبقى حيًا، كدرسٍ في “مقاومة الظل” التي تعيد تعريف الصراع بأدوات غير تقليدية. فالشبح الذي اختفى جسديًا، صار رمزًا لا تُغيّبه الغارات.